الحياة الاقتصادية في الخلافة الأموية Cordoba%20Bridge
لقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم المبادئ القرآنية -التي بُنِيَ عليها النظام الاقتصادي الإسلامي- موضع التنفيذ، وبذلك تقررت قواعدُ هذا النظام ورُسِمَت معالمه، ذلك أن القرآن الكريم حدَّد الأسس العامة للنظرية الاقتصادية الإسلامية، كما وضح تفصيلات هذه النظرية لتكون صالحة لكل زمان ومكان..
اشتملت القوانين القرآنية على الأسس التي شكَّلت النظام الاقتصادي الإسلامي، ومن خلالها تحددت أصول هذه الجوانب، وقُدِّرَت أنصبتُها وطريقة جمعها وجبايتها، وطرق توجيهها واستخدامها، ووسائل توزيعها ضمانًا للعدالة في الدولة الإسلامية..
إن الدولة الإسلامية التي أقامها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المدينة ثم امتدت أطرافها عندما خرج المسلمون الفاتحون ينشرون الإسلام في الآفاق، احتاجت بالضرورة إلى نسق اقتصادي يضمن لها التكامل، إضافة إلى أنظمتها السياسية والإدارية..
ولما كان الاقتصاد عصب الدولة، كان لابد من تحرير اقتصاد الدولة الإسلامية وامتلاك المسلمين لمصادر ثروتهم، فالمال في المجتمع له قيمة كبيرة ومكانة مرموقة إذ به وعليه تقوم حياة الإنسان والمجتمع والدولة جنبًا إلى جنب مع مكانة القيم الروحية، وقد حضَّ الإسلام على ضرورة تكسب المال والانتفاع به؛ فكان العرب قبل الإسلام يحصلون على الأموال من التجارة، وقد أشار القرآن الكريم إلى رحلتي الشتاء والصيف، كما حصَّلوا الأموال عن طريق الزراعة والصناعة، وقد أمر الله الإنسان بأن يسعى ويكد من أجل الحصول على الأموال فقال: [فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها وتركوك قائمًا قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين] {الجمعة:10}.
والإسلام حين جعل تحصيل الأموال يقوم أساسًا على الزراعة والتجارة والصناعة وضع في اعتباره حاجة المجتمع المادية، وأهمية ذلك لتطوره وتقدمه وإشباع حاجات الأمة، ومن هنا أكَّد الفقهاء على مبدأ استقلال الجماعة الإسلامية في تحقيق ما تحتاج إليه من الضروريات والحاجات فيما بينها وبين أبنائها القادرين على هذا العمل، دون الاعتماد على غيرها من الأمم.
ومن هنا عَمَدَ الرسول صلى الله عليه وسلم على قواعد رئيسية حددها القرآن الكريم هي الزكاة والغنيمة والجزية والفيء والصدقات والخراج، ومع المد الإسلامي واجه المسلمون نظمًا جديدة عليهم مما كان لدى شعوب البلاد المفتوحة، وقد ارتبطت تلك النظم بما أملته ظروف الدولة الإسلامية وفرضه المناخ الجديد الذي انفتح عليه المسلمون؛ فاقتبسوا مما وجدوا، وأدخلوا إلى أنظمتهم إضافاتٍ وتطوراتٍ جديدة، وانسحب ذلك التطور بطبيعة الحال على النظم المالية والاقتصادية بما لم يُخِلَّ بالأسس والقواعد الأصلية لها..